سورة المائدة - تفسير تفسير القشيري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المائدة)


        


قوله جلّ ذكره: {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ}.
جعل جزاءَ العصيان الخذلانَ للزيادة في العصيان.
قوله جلّ ذكره: {وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ}.
وتحريفُهم الكلم عن مواضعه نوعُ عصيان منهم، وإنما حرَّفوا لقساوة قلوبهم. وقسوة القلب عقوبة لهم مِنْ قِبَل الله تعالى على ما نقضوه من العهود، ونقض العهد أعظمُ وِزْرٍ يلم به العبد، والعقوبة عليه أشد عقوبة يُعَاقَبُ بها العبد، وقسوة القلب عدم التوجع مما يُمتَحَنَ به من الصدِّ، وعن قريبٍ يُمتَحَن بمحنة الرد بعد الصدِّ، وذلك غاية الفراق، ونهاية البعد.
ويقال قسوة القلب أولها فَقْدُ الصفوة ثم استيلاء الشهوة ثم جريان الهفوة ثم استحكام القسوة، فإن لم يتفق إقلاع من هذه الجملة فهو تمام الشقوة.
ومن تحريف الكلم- على بيان الإشارة- حَمْلُ الكلم على وجوه من التأويل مما تسوِّل لصاحبِه نَفْسُه، ولا تشهد له دلائلُ العلم ولا أصله.
قوله جلّ ذكره: {وَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ}.
أوَّلُ آفاتِهِم نسيانُهم، وما عصوا ربهم إلا بعد ما نسوا، فالنسيان أول العصيان، والنسيانُ حاصلٌ من الخذلان.
قوله جلّ ذكره: {وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ}.
الخيانة أمرها شديد وهي من الكبار أبعد، وعليهم أشد وأصعب. ومن تعوَّد اتباع الشهوات، وأُشْرِبَ في قلبه حُبَّ الخيانة فلا يزال يعيش بذلك الخُلُق إلى آخر عمره، اللهم إلا أن يجودَ الحقُّ- سبحانه- عليه بجميل اللطف.
قوله جلّ ذكره: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ}.
قد يكون موجب العفو حقارة قدر المعفو عنه إذ ليس كل أحدٍ أهلاً للعقاب. وللصفح على العفو مزية وهي أن في العفو رفع الجناح، وفي الصفح إخراج ذكر الإثارة من القلب، فمن تجاوز عن الجاني، ولم يلاحظه- بعد التجاوز- بعين الاستحقار والازدراء فهو صاحب الصفح.
والإحسان تعميمٌ- للجمهور- بإسداء الفضل.


الإشارة في هذه الآية أن النصارى أثبت لهم الاسم بدعواهم فقال: {قَالُوا إِنَّا نَصَارَى} وسموا نصارى لتناصرهم، وبدعواهم حرَّفوا وبدَّلوا؛ وأما المسلمون فقال: {هُوَ سَمَّاكُمُ المُسْلِمِينَ} [الحج: 78].
كما قال: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} [المائدة: 2] فلا جَرَمَ ألا يسموا بالتناصر. ولمَّا سمَّاهم الحقُّ بالإسلام ورَضِيَ لَهم به صانهم عن التبديل فَعُصِمُوا.
ولما استمكن منهم النسيان أبدلوا بالعداوة فيما بينهم، وفساد ذات البين؛ فأرباب الغفلة لا ألفة بينهم. وأهل الوفاء لا مباينة لبعضهم من بعض، قال صلى الله عليه وسلم: «المؤمنون كنفس واحدة»، وقال تعالى في صفة أهل الجنة: {إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ} [الصافات: 44].


قوله جلّ ذكره: {يَاأَهْلَ الكِتَابِ قَد جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مَنَ الكِتَابِ وَيَعْفُوا عَن كَثِيرٍ}.
وصف الرسول- صلى الله عليه وسلم- بإظهار بعض ما أخفوه، وذلك علامة على صدقه؛ إذ لولا صدقه لما عَرَفَ ذلك. ووصفه بالعفو عن كثير من أفعالهم، وذلك من أمارات خُلُقِه؛ إذ لولا خُلُقُهُ لَمَا فعل ذلك؛ فإظهار ما أبداه دليل عِلْمه، والعفو عما أخفى برهانِ حِلْمِه.
قوله جلّ ذكره: {قَدْ جَاءَكُمْ مِّنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ يَهْدِى بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلى النَّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}.
أنوار التوحيد ظاهرة لكنها لا تغني عند فقد البصيرة، فمن استخلصه بقديم العناية أخرجه من ظلمات التفرقة إلى ساحات الجمع فامتحى عن سِرِّه شواهد الأغيار، وذلك نعت كل من وقف على الحجة المثلى.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8